إستراتجية التعليم في كوريا الشمالية تركز على صناعة النخب
"الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا".. لكنها ليست كذلك في كوريا الشمالية، فمسؤولية الأم هنا هي أن تنجب فقط أما إعداد الأجيال والشعوب فهو شأن آخر لا طاقة للأمهات به ويحتاج إلى جهد الحكومة واهتمام القائد.
الطفل هنا ليس ابن والدته، إنه ابن الأمة وابن الوطن والأهم من هذا وذاك هو ابن الزعيم، والزعيم لا يبخل على أبنائه بكل ما يحتاجونه من معدات وتقنيات رغم ضيق اليد وشح الإمكانيات.
كوريا الشمالية تولي اهتماما كبيرا لقضية التعليم منذ الصغر، أطفال لم تتفتح براعم عقولهم بعد يدرسون معادلات رياضية جافة ومعقدة كشبه المنحرف واللوغاريتمات وما هو أكبر بكثير من قدرة هذه الأدمغة الصغيرة.
مرافقنا كيم لاحظ استغرابنا خاصة بعد أن أفصحنا له عن أن هذا كثير جدا عليهم فأجاب بهدوء وابتسامة "وما المانع من ذلك؟ نحن لم نقم بوضع هذه البرامج إلا بعد أن أخضعها علماؤنا للبحث والتجربة وتأكدوا من قدرة الأطفال على استيعابها. وإذا كانوا قادرين على استيعابها الآن فلماذا نحرمهم منها أو نؤجل تعليمها لهم".
إستراتيجية تعليمية
كوريا الشمالية تنتهج إستراتيجية تعليمية تسميها صناعة النخب بجمع الأطفال المتفوقين بشتى مدارس البلاد في مدارس معينة.
قاعة الشعب للمطالعة تحتضن حوالي 10 آلاف شخص يوميا ويبدو أنها تنجح في ذلك بل تحقق إنجازات فيه بعد أن نجحت في القضاء على ظاهرة الأمية التي كانت متفشية لدى أكثر من نصف شعبها عند تأسيسها قبل خمسين عاما.
لكن ما يؤخذ على نظامها التعليمي هو إمعانه في الترويج للنظام السياسي بما يشبه غسيل الأدمغة -كما يرى بعض المراقبين- مما يعزز انغلاق البلاد على نفسها ويحد من فرص انفتاحها على الآخرين، لكنها ترى في أبنائها مجالا للتفاخر بين الأمم.
لغة قوم
أحد الفصول الذي أثار اهتمامنا وتتبعنا مصدر صوته هو فصل اللغة الإنجليزية المجهز بمعدات سمعية وبصرية متقدمة جدا، وبه معلمة تتحدث بلكنة أميركية واضحة. أحد الأطفال قال لنا بعد سؤاله "إننا نتعلم اللغة الإنجليزية كي نتمكن من التواصل مع الشعوب الأخرى وعلينا أن نتقنها كلغتنا الأم اللغة الكورية".
ولم يتفاجأ الطفل عندما قلنا له: لكن اللغة الإنجليزية لغة من تعتبرونهم أعداءكم، بل أجاب: علينا أن نعرف أعداءنا أكثر وأن نعلمهم بلسانهم كيف يعرفوننا. إجابة ربما أراحت مرافقنا كيم الذي حاول التدخل ليوقف السؤال الذي اعتبره سياسيا.
تعلم لغات أقوام أخرى قد يكون ضرورة بالنسبة لدولة تداعت عليها الأمم وتساوى عندها الصديق والعدو ولم يبق أمامها سوى الاعتماد على أبنائها وإعدادهم لغد أفضل.
تعليم اللغة الإنجليزية آلية أساسية في النظام التعليمي بكوريا الشمالية وأدركت كوريا الشمالية أن العلم نور وأن العلم سلاح، وهما حقيقتان وعتهما بيونغ يانغ ففرضت منذ تأسيسها إلزامية التعليم ومجانيته حتى المرحلة الجامعية وأصبحت نموذجا نادرا في هذا المجال، حيث تنعدم فيها الأمية وحيث الفشل من المحرمات.
وهذا ما لاحظناه ليس في المدارس والجامعات فقط بل في صروح علمية وتعليمية كبيرة يتعذر وجودها حتى لدى بعض الدول المتقدمة.
قاعة الشعب للمطالعة التي كلف بناؤها وتجهيزها مائة مليون دولار وتضم أكثر من ثلاثين مليون كتاب في شتى أبواب العلم والمعرفة وهي معززة بستمائة قاعة مطالعة وستة آلاف مقعد، يؤمها يوميا ما يقارب عشرة آلاف من طلاب العلم فينهلون منه مجانا.