الحمد لله الذي جعل جنة الفردوس لعباده المؤمنين نزلا ويسرهم للأعمال الصالحة الموصلة إليها فلم يتخذوا سواها شغلا وسهل لهم طرقها فسلكوا السبيل الموصلة إليها ذللا وكمل لهم البشرى بكونهم خالدين فيها لا يبغون عنها حولا.
الحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رسلا وباعث الرسل مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل
والحمد لله الذي رضى من عباده باليسير من العمل وتجاوز لهم عن الكثير من الزلل وأفاض عليهم النعمة، وكتب على نفسه الرحمة
وضمن الكتاب الذي كتبه أن رحمته سبقت غضبه
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
أما بعد :
فإن الله سبحانه وتعالى لم يخلق خلقه عبثاً ، ولم يتركهم سدى بل خلقهم لأمر عظيم وخطب جسيم عرض على السموات والأرض والجبال فأبين وأشفقن منه إشفاقاً ووجلا وحمله الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً
والعجب كل العجب من غفلة من لحظاته معدودة عليه وكل نفس من أنفاسه إذا ذهب لم يرجع إليه وإنما يتبين سفه المفرط يوم الحسرة والندامة
إذا حشر المتقون إلى الرحمن وفدا وسيق المجرمون إلى جهنم ورداً
فالأولون في روضات الجنة يتقلبون وعلى أسرتها يجلسون وعلى بطائنها يتكئون
وأولئك في أودية جهنم يصطلون ، جزاء بما كانوا يعملون
ومن هنا اشتاقت نفوس الصالحين إلى الجنة
حتى قدموا في سبيل الوصول إليها كلَّ ما يملكون
هجروا لذيذ النوم والرقاد ، وبكوا في لأسحار ، وصاموا النهار ، وجاهدوا الكفار ،
فلله كم من صالح وصالحة اشتاقت إليهم الجنة كما اشتاقوا إليها
من حسن أعمالهم ، وطيب أخبارهم ، ولذة مناجاتهم ،
وكان لكل واحد منهم ، ولكل واحدة منهن مع الله جل جلاله أخبار وأسرار ، لا يعرفها غيره أبداً، جعلوها بين أيديهم عُدداً
لا يطلبون جزاءهم إلا منه ، فطريقهم إليه ، ومعولهم عليه ، ومآلهم يكون بين يديه
فلا إله إلا الله .. كم بكت عيون في الدنيا خوفاً من الحرمان من النظر إلى وجه الله الكريم
فهو سبحانه أعظم من سجدت الوجوه لعظمته ، وبكت العيون حياءً من مراقبته ، وتقطعت الأكباد شوقاً إلى لقائه ورؤيته
فالمشتاقون إلى الجنة لهم مع ربهم تعالى أخبار وأسرار
فإليكم شيئاً من أخبارهم ، وطرفاً من أسرارهم ..
يتبع...